الخميس

ضغوط ترامب: استراتيجية فرق تسد عالمية جديدة؟

شارك & علق
تعود سياسة دونالد ترامب الخارجية، رغم خروجه من البيت الأبيض، لتتردد أصداؤها في الساحة الدبلوماسية العالمية. وتبدو استراتيجيته الاقتصادية الجديدة مشابهة بشكل لافت لما فعله سابقًا في الشرق الأوسط، حين ضغط على عدد من الدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقد تم تقديم هذه الخطوة كدفع نحو السلام، لكنها في الواقع عمّقت الانقسام العربي وأعطت انطباعًا بأن الاعتراف بإسرائيل هو بمثابة موافقة ضمنية على الجرائم المرتكبة في غزة، والتي يصفها كثيرون بالإبادة الجماعية.

اليوم، تشير التقارير إلى أن ترامب وحلفاءه يعملون خلف الكواليس للضغط على أكثر من 70 دولة للحد من تعاونها مع الصين. والمقابل؟ تخفيضات جمركية أميركية وشروط تجارية تفضيلية لمن يوافق. مرة أخرى، يبدو أن الاستراتيجية تهدف إلى إحداث انقسام بين الدول الصديقة للصين، ودفعها للانقلاب على بكين مقابل مكاسب اقتصادية قصيرة المدى.

يثير هذا الوضع تساؤلات جدية: هل يُقاد العالم إلى مواجهة جديدة شبيهة بالحرب الباردة، لكن هذه المرة بدوافع اقتصادية ومصالح سياسية بدلًا من أيديولوجيات متعارضة؟ يبدو أن ترامب يسعى لبناء تكتل عالمي جديد لا يقوم على القيم المشتركة، بل على الابتزاز والصفقات المشروطة.

الدول الأعضاء في مجموعة "بريكس" — البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا — تجد نفسها في قلب هذا المشهد المتغير. فكمجموعة تسعى إلى تعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب، تواجه "بريكس" اختبارًا حاسمًا: هل يمكنها مقاومة الضغوط الأميركية والدفاع عن استقلالية قراراتها؟

بعض الدول بدأت بالفعل تشعر بتبعات هذه الضغوط. فالهند، على سبيل المثال، شريك استراتيجي للولايات المتحدة في مجالات الدفاع والتكنولوجيا، لكنها أيضًا عضو فاعل في "بريكس" ولها علاقات اقتصادية عميقة مع الصين. أما البرازيل، فهي بحاجة إلى استثمارات في الزراعة والبنية التحتية، سواء من بكين أو واشنطن، ما يجعل موقفها أكثر تعقيدًا.

أما روسيا والصين، فقد أعلنتا بوضوح رفضهما للضغوط الأميركية. لكن التحدي الحقيقي يكمن في الدول الأخرى في المجموعة، التي لم تحدد موقفها بعد، وتتأرجح بين الرغبة في الاستقلال ومغريات المصلحة الاقتصادية.
تشبه هذه الاستراتيجية إلى حد كبير ما فعله ترامب في الشرق الأوسط. فقد نجح آنذاك في تقسيم العالم العربي إلى محورين: من يعترف بإسرائيل ومن يرفض. ولم تسفر تلك التحركات عن سلام حقيقي، بل أدت إلى مزيد من العزلة للقضية الفلسطينية وزيادة الانقسام الإقليمي.

الآن، يتم تطبيق نفس النهج في ميدان التجارة. فالضغوط الاقتصادية لا تهدف فقط إلى تحجيم الصين، بل إلى خلق فجوات بين الشركاء التجاريين لبكين، وعزلها دبلوماسيًا واستراتيجيًا.

تكمن الخطورة في أن هذه الاستراتيجية تتجاوز الاقتصاد لتصبح أداة هندسة جيوسياسية تهدف إلى السيطرة على مواقف الدول عبر تقديم حوافز مشروطة بالتخلي عن حلفاء وشركاء تقليديين.

العديد من الدول، خاصة في آسيا وإفريقيا، لها علاقات عميقة وطويلة الأمد مع الصين. والانقلاب على هذه العلاقات ليس بالأمر السهل، إذ ستكون له تبعات سياسية واقتصادية خطيرة قد تمتد لعقود.

بالنسبة للعديد من الدول النامية، فإن الخطر الحقيقي لا يكمن في البضائع الرخيصة من الصين، بل في التبعية الجديدة التي قد تنشأ إذا خضعت لضغوط الولايات المتحدة. في هذه الحالة، ستكون الدول قد استبدلت الهيمنة الصينية بهيمنة أميركية بشكل مختلف.

إندونيسيا تُعد نموذجًا لهذا التحدي. فهي دولة محورية في منطقة الهندي-الهادئ، وتتمتع بعلاقات قوية مع كل من الولايات المتحدة والصين. وإذا انحازت لطرف على حساب الآخر، فإنها تخاطر بفقدان توازنها الإقليمي ومكانتها الدولية.

تأتي هذه الضغوط في وقت يتعرض فيه قطاع غزة لحرب مدمرة. وقد واجهت الدول العربية التي طبعت مع إسرائيل انتقادات حادة بسبب صمتها، بل واتهامات بأنها توفر غطاءً سياسيًا للانتهاكات. ذات السيناريو قد يتكرر في حال انحازت الدول ضد الصين في صراعاتها الإقليمية.

ما نشهده الآن قد يكون الفصل الثاني من سياسة "فرق تسد" التي استخدمها ترامب، ولكن هذه المرة في ميدان الاقتصاد العالمي لا السياسة الإقليمية. والنتائج قد تكون أشد خطورة، خاصة على الدول الصغيرة والمتوسطة التي تجد نفسها مجبرة على الاصطفاف مع أحد القطبين.

العالم لا يحتاج إلى مزيد من الانقسامات، بل إلى جسور تعاون وشراكة عادلة. والدول المتوسطة مثل إندونيسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا تملك فرصة لتقديم نموذج دبلوماسي مستقل وواقعي بعيدًا عن ثنائية "مع أو ضد".

إن لم يتحقق ذلك، فإن التاريخ سيعيد نفسه: القوى الكبرى تتصارع، والدول الصغيرة تُستخدم كأدوات في صراع لا تملك زمام قراره.

في النهاية، إن مقاومة ضغوط ترامب لا تعني الوقوف مع الصين، بل الدفاع عن حق الدول في اتخاذ قراراتها السيادية. والعالم بحاجة إلى شجاعة سياسية تقول "لا" لأي من يحاول أن يفرض استراتيجيات الهيمنة باسم الشراكة.

التسميات :

عن الكاتب

هذا النص الغبي ، غير مقصود لقرائته . وفقا لذلك فمن الصعب معرفة متى وأين نهايته ، لكن حتى . فإن هذا النص الغبي ، ليس مقصود لقرائته . نقطة رجوع لسطر مدونة مدون محترف ترحب بك.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 

رابطة الشعراء البتاكية

رباط المنديلى

كما قال فى الحديث

‏والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه..
جميع الحقوق محفوظة لـ راتوا سيتوحنك 2025 | تعريب و تطوير : مدون محترف | تصميم : Templateism